كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



البرهان السابع: أن نقول: كل ذات قائمة بنفسها مشارًا إليها بحسب الحس فهو منقسم وكل منقسم ممكن فكل ذات قائمة بنفسها مشار إليها بحسب الحس فهو ممكن.
فما لا يكون ممكنًا لذاته بل كان واجبًا لذاته امتنع كونه مشارًا إليه بحسب الحس.
أما المقدمة الأولى: فلأن كل ذات قائمة بالنفس مشار إليها بحسب الحس فلابد وأن يكون جانب يمينه مغايرًا لجانب يساره وكل ماهو كذلك فهو منقسم.
وأما المقدمة الثانية: وهي أن كل منقسم ممكن فإنه يفتقر إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره، وكل منقسم فهو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته.
واعلم أن المقدمة الأولى من مقدمات هذا الدليل إنما تتم بنفي الجوهر الفرد.
البرهان الثامن: لو ثبت كونه تعالى في حيز لكان إما أن يكون أعظم من العرش أو مساويًا له أو أصغر منه فإن كان الأول كان منقسمًا لأن القدر الذي منه يساوي العرش يكون مغايرًا للقدر الذي يفضل على العرش وإن كان الثاني كان منقسمًا لأن العرش منقسم والمساوي للمنقسم منقسم وإن كان الثالث، فحينئذ يلزم أن يكون العرش أعظم منه وذلك باطل بإجماع الأمة أما عندنا فظاهر، وأما عند الخصوم فلأنهم ينكرون كون غير الله تعالى أعظم من الله تعالى، فثبت أن هذا المذهب باطل.
البرهان التاسع: لو كان الإله تعالى حاصلًا في الحيز والجهة لكان إما أن يكون متناهيًا من كل الجوانب.
وإما أن لا يكون كذلك والقسمان باطلان، فالقول بكونه حاصلًا في الحيز والجهة باطل أيضًا.
أما بيان أنه لا يجوز أن يكون متناهيًا من كل الجهات، فلأن على هذا التقدير يحصل فوقه أحياز خالية، وهو تعالى قادر على خلق الجسم في ذلك الحيز الخالي، وعلى هذا التقدير لو خلق هناك عالمًا آخر لحصل هو تعالى تحت العالم وذلك عند الخصم محال وأيضًا فقد كان يمكن أن يخلق من الجوانب الستة لتلك الذات أجسامًا أخرى، وعلى هذا التقدير فتحصل ذاته في وسط تلك الأجسام محصورة فيها ويحصل بينه وبين الأجسام الاجتماع تارة والافتراق أخرى، وكل ذلك على الله تعالى محال.
وأما القسم الثاني: وهو أن يكون غير متناه من بعض الجهات فهذا أيضًا محال، لأنه ثبت بالبرهان أنه يمتنع وجود بعد لا نهاية له، وأيضًا فعلى هذا التقدير لا يمكن إقامة الدلالة على أن العالم متناه لأن كل دليل يذكر في تناهي الأبعاد، فإن ذلك الدليل ينتقض بذات الله تعالى فإنه على مذهب الخصم بعد لا نهاية له، وهو وإن كان لا يرضى بهذا اللفظ إلا أنه يساعد على المعنى، والمباحث العقلية مبنية على المعاني، لا على المشاحة في الألفاظ.
البرهان العاشر: لو كان الإله تعالى حاصلًا في الحيز والجهة لكان كونه تعالى هناك إما أن يمنع من حصول جسم آخر هناك أو لا يمنع، والقسمان باطلان فبطل القول بكونه حاصلًا في الحيز.
أما فساد القسم الأول: فلأنه لما كان كونه هناك مانعًا من حصول جسم آخر هناك كان هو تعالى مساويًا لسائر الأجسام في كونه حجمًا متحيزًا ممتدًا في الحيز والجهة مانعًا من حصول غيره في الحيز الذي هو فيه، وإذا ثبت حصول المساواة في ذلك المفهوم بينه وبين سائر الأجسام فإما أن يحصل بينه وبينها مخالفة من سائر الوجوه أو لا يحصل، والأول باطل لوجهين: الأول: أنه إذا حصلت المشاركة بين ذاته تعالى وبين ذوات الأجسام من بعض الوجوه، والمخالفة من سائر الوجوه كان ما به المشاركة مغايرًا لما به المخالفة، وحينئذ تكون ذات الباري تعالى مركبة من هذين الاعتبارين، وقد دللنا على أن كل مركب ممكن فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته هذا خلف.
والثاني: وهو أن ما به المشاركة وهو طبيعة البعد والامتداد.
إما أن يكون محلًا لما به المخالفة.
وإما أن يكون حالًا فيه وإما أن يقال: إنه لا محل له ولا حالًا فيه.
أما الأول: وهو أن يكون محلًا لما به المخالفة، فعلى هذا التقدير طبيعة البعد والامتداد هي الجوهر القائم بنفسه، والأمور التي حصلت بها المخالفة أعراض وصفات، وإذا كانت الذوات متساوية في تمام الماهية فكل ما صح على بعضها وجب أن يصح على البواقي، فعلى هذا التقدير كل ما صح على جميع الأجسام، وجب أن يصح على الباري تعالى وبالعكس، ويلزم منه صحة التفرق والتمزق والنمو والذبول والعفونة والفساد على ذات الله تعالى وكل ذلك محال.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقال: ما به المخالفة محل وذات، وما به المشاركة حال وصفة فهذا محال، لأن على هذا التقدير تكون طبيعة البعد والامتداد صفة قائمة بمحل، وذلك المحل إن كان له أيضًا اختصاص بحيز وجهة، وجب افتقاره إلى محل آخر لا إلى نهاية، وإن لم يكن كذلك فحينئذ يكون موجودًا مجردًا لا تعلق له بالحيز والجهة والإشارة الحسية ألبتة، وطبيعة البعد والامتداد واجبة الاختصاص بالحيز والجهة والإشارة الحسية، وحلول ما هذا شأنه في ذلك المحل يوجب الجمع بين النقيضين وهو محال.
وأما القسم الثالث: وهو أن لا يكون أحدهما حالًا في الآخر ولا محلًا له فنقول: فعلى هذا التقدير يكون كل واحد منهما متباينًا عن الآخر، وعلى هذا التقدير فتكون ذات الله تعالى مساوية لسائر الذوات الجسمانية في تمام الماهية، لأن ما به المخالفة بين ذاته وبين سائر الذوات ليست حالة في هذه الذوات، ولا محالًا لها بل أمور أجنبية عنها فتكون ذات الله تعالى مساوية لذوات الأجسام في تمام الماهية، وحينئذ يعود الإلزام المذكور، فثبت أن القول: بأن ذات الله تعالى مختصة بالحيز والجهة بحيث يمنع من حصول جسم آخر في ذلك الحيز يفضي إلى هذه الأقسام الثلاثة الباطلة فوجب كونه باطلًا.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقال: إن ذات الله تعالى وإن كانت مختصة بالحيز والجهة، إلا أنه لا يمنع من حصول جسم آخر في ذلك الحيز والجهة، فهذا أيضًا محال لأنه يوجب كون ذاته مخالطة سارية في ذات ذلك الجسم الذي يحصل في ذلك الجنب والحيز وذلك بالإجماع محال، ولأنه لو عقل ذلك فلم لا يعقل حصول الأجسام الكثيرة في الحيز الواحد؟ فثبت أنه تعالى لو كان حاصلًا في حيز لكان إما أن يمنع حصول جسم آخر في ذلك الحيز أو لا يمنع، وثبت فساد القسمين، فكان القول بحصوله تعالى في الحيز والجهة محالًا باطلًا.
البرهان الحادي عشر: على أنه يمتنع حصول ذات الله تعالى في الحيز والجهة هو أن نقول: لو كان مختصًا بحيز وجهة لكان.
إما أن يكون بحيث يمكنه أن يتحرك عن تلك الجهة أو لا يمكنه ذلك، والقسمان باطلان، فبطل القول بكونه حاصلًا في الحيز.
أما القسم الأول: وهو أنه يمكنه أن يتحرك فنقول: هذه الذات لا تخلو عن الحركة والسكون وهما محدثان، لأن على هذا التقدير السكون جائز عليه والحركة جائزة عليه، ومتى كان كذلك لم يكن المؤثر في تلك الحركة ولا في ذلك السكون ذاته، وإلا لامتنع طريان ضده والتقدير: هو تقدير أنه يمكنه أن يتحرك وأن يسكن، وإذا كان كذلك ان المؤثر في حصول تلك الحركة، وذلك السكون هو الفاعل المختار وكل ما كان فعلًا لفاعل مختار فهو محدث، فالحركة والسكون محدثان وما لا يخلو عن المحدث فهو محدث فيلزم أن تكون ذاته تعالى محدثة وهو محال.
وأما القسم الثاني: وهو أنه يكون مختصًا بحيز وجهة مع أنه لا يقدر أن يتحرك عنه فهذا أيضًا محال لوجهين: الأول: أن على هذا التقدير يكون كالزمن المقعد العاجز، وذلك نقص، وهو على الله محال.
والثاني: أنه لو لم يمتنع فرض موجود حاصل في حيز معين بحيث يكون حصوله فيه واجب التقرر ممتنع الزوال لم يبعد أيضًا فرض أجسام أخرى مختصة بأحياز معينة بحيث يمتنع خروجها عن تلك الأحياز، وعلى هذا التقدير فلا يمكن إثبات حدوثها بدليل الحركة والسكون، والكرامية يساعدون على أنه كفر.
والثالث: أنه تعالى لما كان حاصلًا في الحيز والجهة كان مساويًا للأجسام في كونه متحيزًا شاغلًا للأحياز، ثم نقيم الدلالة المذكورة على أن المتحيزات لما كانت متساوية في صفة التحيز وجب كونها متساوية في تمام الماهية، لأنه لو خالف بعضها بعضًا لكان ما به المخالفة إما أن يكون حالًا في المتحيز أو محلًا له أو لا حالًا ولا محلًا، والأقسام الثلاثة باطلة على ما سبق.
وإذا كانت متساوية في تمام الماهية فكما أن الحركة صحيحة على هذه الأجسام وجب القول بصحتها على ذات الله تعالى وحينئذ يتم الدليل.
الحجة الثانية عشرة: لو كان تعالى مختصًا بحيز معين لكنا إذا فرضنا وصول إنسان إلى طرف ذلك الشيء وحاول الدخول فيه فإما أن يمكنه النفوذ والدخول فيه أو لا يمكنه ذلك، فإن كان الأول كان كالهواء اللطيف، والماء اللطيف، وحينئذ يكون قابلًا للتفرق والتمزق وإن كان الثاني كان صلبًا كالحجر الصلد الذي لا يمكنه النفوذ فيه، فثبت أنه تعالى لو كان مختصًا بمكان وحيز وجهة لكان إما أن يكون رقيقًا سهل التفرق والتمزق كالماء والهواء، وإما أن يكون صلبًا جاسئًا كالحجر الصلد، وقد أجمع المسلمون على أن إثبات هاتين الصفتين في حق الإله كفر وإلحاد في صفته، وأيضًا فبتقدير أن يكون مختصًا بمكان وجهة، لكان إما أن يكون نورانيًا وظلمانيًا، وجمهور المشبهة يعتقدون أنه نور محض، لاعتقادهم أن النور شريف والظلمة خسيسة، إلا أن الاستقراء العام دل على أن الأشياء النورانية رقيقة لا تمنع النافذ من النفوذ فيها، والدخول فيما بين أجزائها، وعلى هذا التقدير فإن ذلك الذي ينفذ فيه يمتزج به ويفرق بين أجزائه ويكون ذلك الشيء جاريًا مجرى الهواء الذي يتصل تارة وينفصل أخرى.
ويجتمع تارة ويتمزق أخرى، وذلك مما لا يليق بالمسلم أن يصف إله العالم به، ولو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال إن خالق العالم هو بعض هذه الرياح التي تهب؟ أو يقال إنه بعض هذه الأنوار والأضواء التي تشرق على الجدران؟ والذين يقولون إنه لا يقبل التفرق والتمزق ولا يتمكن النافذ من النفوذ فإنه يرجع حاصل كلامهم إلى أنه حصل فوق العالم جبل صلب شديد وإله هذا العالم هو ذلك الجبل الصلب الواقف في الحيز العالي، وأيضًا فإن كان له طرف وحد ونهاية فهل حصل لذلك الشيء عمق وثخن أو لم يحصل؟ فإن كان الأول فحينئذ يكون ظاهره غير باطنه وباطنه غير ظاهره، فكان مؤلفًا مركبًا من الظاهر والباطن مع أن باطنه غير ظاهره وظاهره غير باطنه، وإن كان الثاني فحينئذ يكون ذاته سطحًا رقيقًا في غاية الرقة مثل قشرة الثوم بل أرق منه ألف ألف مرة، والعاقل لا يرضى أن يجعل مثل هذا الشيء إله العالم، فثبت أن كونه تعالى في الحيز والجهة يفضي إلى فتح باب هذه الأقسام الباطلة الفاسدة.
الحجة الثالثة عشرة: العالم كرة، وإذا كان الأمر كذلك امتنع أن يكون إله العالم حاصلًا في جهة فوق.
أما المقام الأول: فهو مستقصي في علم الهيئة إلا إنا نقول أنا إذا اعتبرنا كسوفًا قمريًا حصل في أول الليل بالبلاد الغربية كان عين ذلك الكسوف حاصلًا في البلاد الشرقية في أول النهار، فعلمنا أن أول الليل بالبلاد الغربية هو بعينه أول النهار بالبلاد الشرقية، وذلك لا يمكن إلا إذا كانت الأرض مستديرة من المشرق إلى المغرب، وأيضًا إذا توجهنا إلى الجانب الشمالي فكلما كان توغلنا أكثر، كان ارتفاع القطب الشمالي أكثر وبمقدار ما يرتفع القطب الشمالي ينخفض القطب الجنوبي وذلك يدل على أن الأرض مستديرة من الشمال إلى الجنوب، ومجموع هذين الاعتبارين يدل على أن الأرض كرة.
وإذا ثبت هذا فنقول: إذا فرضنا إنسانين وقف أحدهما على نقطة المشرق والأخر على نقطة المغرب صار أخمص قدميهما متقابلين، والذي هو فوق بالنسبة إلى أحدهما يكون تحت بالنسبة إلى الثاني، فلو فرضنا أن إله العالم حصل في الحيز الذي فوق بالنسبة إلى أحدهما، فذلك الحيز بعينه هو تحت بالنسبة إلى الثاني، وبالعكس فثبت أنه تعالى لو حصل في حيز معين لكان ذلك الحيز تحتًا بالنسبة إلى أقوام معينين، وكونه تعالى تحت أهل الدنيا محال بالاتفاق، فوجب أن لا يكون حاصلًا في حيز معين، وأيضًا فعلى هذا التقدير أنه كلما كان فوق بالنسبة إلى أقوام كان تحت بالنسبة إلى أقوام آخرين، وكان يمينًا بالنسبة إلى ثالث، وشمالًا بالنسبة إلى رابع، وقدام الوجه بالنسبة إلى خامس، وخلق الرأس بالنسبة إلى سادس، فإن كون الأرض كرة يوجب ذلك إلا أن حصول هذه الأحوال بإجماع العقلاء محال في حق إله العالم إلا إذا قيل إنه محيط بالأرض من جميع الجوانب فيكون هذا فلكًا محيطًا بالأرض وحاصله يرجع إلى أن إله العالم هو بعض الأفلاك المحيطة بهذا العالم، وذلك لا يقوله مسلم، والله أعلم.